07 - 06 - 2025

عجاجيات | الموت والحياة والجنة

عجاجيات | الموت والحياة والجنة

الزلزال الرهيب الذى ضرب أشقاءنا فى تركيا وسوريا هزنى من أعماقي ، وجعلنى أفكر كثيرا فى تلك اللحظة الفارقة بين الحياة والموت.. بكيت بعيون القلب وأنا أرى الأب المكلوم وهو يضع أذنه على أنقاض بيته وينادي بكل ما أوتى من أمل ورجاء على أبنائه ، عسى أن ترده أي إشارة تقول أنهم ما زالوا من أهل الدنيا.. الزلزال جعلنى أفكر كثيرا فى الموت مصيري ومصير كل كائن حي ، فكل من عليها فان ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

لحظة مقدرة بأوامر إلهية لا تتأخر ولا تتقدم ، تلك التى تفصل بين الحياة والموت.. لحظة يتحول فيها الإنسان مهما كان إلى جثة ومرحوم وأمانة.. كلنا نستوي أمام الموت ، الامبراطور والسلطان والملك والأمير والرئيس والمشير والفريق واللواء وصاحب السعادة وصاحب العزة وصاحب المعالى وصاحب المقام الرفيع ، ويستوي أمامها الشاب والطاعن فى السن والعابد والعربيد والصحيح والسقيم.. كلنا أموات وكلنا مشاريع أموات وكلنا يتجه إلى محطة الوصول النهائية ، منا من يركب طائرة أسرع من الصوت ومنا من يركب قطارا ومنا من يركب دراجة هوائية ومنا من يمشى.. وكلنا سنصل فى الوقت الذى حدده سبحانه وتعالى لنا بالثانية بل بالفيمتو ثانية وبأقل منها.

الحياة قوية جدا وجذابة جدا ومغرية جدا للاحياء ، والموت بالغ القوة لمن قضى عليه بالموت ، فيكفى أن عمله سينقطع وستقوم قيامته وسيكون فى ذمة الله أرحم الراحمين ، وهذا ما يجعل الإنسان يشعر بالطمأنينة ويبعد عنه الجزع والخوف من الموت.

بل إن الانسان الذى يطمع فى كرم الله سبحانه وتعالى ، يسمح لنفسه بتخيل أنه مات ودخل الجنة ، ويفكر فيما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. ويكفي أنه سيسعد ويشرف بالنظر إلى رب العالمين عندما يتجلى على أهل الجنة.. ويكفى أنه سيلتقي بأنبياء ورسل الله من لدن سيدنا آدم وصولا إلى الحبيب المصطفى السراج المنير، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وتخيل أنك فى الجنة ستلتقى بسادتنا أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن ابى طالب وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم من صحابة سيدنا رسول الله.

وتخيل أنك فى الجنة ستتاح لك الفرصة لرؤية أبويك وأشقائك وأهلك الذين سبقوك إلى دار الحق.. وستتاح لك مجالسة العلماء الأجلاء والمشايخ العظام من أمثال محمد عبده وشلتوت والمراغى ومخلوف وعبدالحليم محمود وجاد الحق ومحمد سيد طنطاوي ومحمد متولى الشعراوي.. وستسعد بالاستماع لصوت الشيخ محمد رفعت والمنشاوي وعبدالعظيم زاهر وطه الفشنى والبهتيمى وشعيشع والحصري والبنا ومصطفى اسماعيل وعبدالباسط عبد الصمد ومحمد عمران والهلباوي ونصر الدين طوبار والنقشبندي.

وتخيل أنك فى الجنة ستسعد بلقاء أجيال من الشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون ، مثل حمزة بن عبدالمطلب والحسين بن على وعبدالمنعم رياض وإبراهيم الرفاعى وإبراهيم عبدالتواب وسيد ذكريا وأحمد المنسي.

وتخيل أنك فى الجنة يمكن أن تقابل طه حسين وعباس محمود العقاد وعبدالحميد جودة السحار ونجيب محفوظ ومصطفى محمود ويوسف إدريس وجمال الغيطانى وجمال حمدان وزكى نجيب محمود ، وغيرهم وغيرهم من نجوم الأدب والفن والفكر الذين أكرمهم الله وأدخلهم في رحمته.

تخيل أنك ستحيا فى نعيم دائم بلا قلق وبلا ضجر وبلا  خوف من فراق أو موت.. فالميزة الكبري للحياة الآخرة هى الخلود وموت الموت.. فالخلود قمة التكريم للأتقياء ومن أكرمهم الله وجعلهم من الفائزين بالجنة ، والخلود بلا موت قمة التعذيب لمن سعوا لأن يكونوا من أهل النار بالتكبر والظلم وأكل أموال الناس بالباطل والإفساد فى الأرض.

لنعمل لدنيانا كأننا سنعيش أزمنة مديدة ولنعمل لآخرتنا كأننا سنموت غدا.. ولندْعُ الله الغفور الرحيم أن يحسن خاتمتنا ويشملنا بكرمه ورحمته.. ولندْعُ الله سبحانه وتعالى ونلح فى الدعاء أن يمن على ضحايا الزلزال فى تركيا وسوريا بجنة عرضها كعرض السموات والأرض ، وأن يمن على أهلهم بالصبر والسلوان والرضا والتسليم.
-----------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | مستقبل مصر